الشعار الجديد “عين غزال” أقدم التماثيل كبيرة الحجم في العالم وقصة احتفاء جوجل بها؟

في خطوة فريدة من نوعها، أعلنت شركة جوجل عن شعارها الجديد الذي يأخذ مصدر إلهامه من تماثيل “عين غزال” الشهيرة، والتي تُعتبر واحدة من أكبر التماثيل كبيرة الحجم في العالم. تأتي هذه الخطوة في إطار استراتيجية جوجل الدائمة لتجديد هويتها المرئية وتعبيرها عن التنوع الثقافي والفني العالمي.

ويعتبر موقع عين غزال أحد أهم المواقع الأثرية في شرق العاصمة الأردنية عمّان، حيث يروي تاريخ مجتمع زراعي منظم نشأ في هذا الموقع قبل حوالي عشرة آلاف عام. تقع عين غزال في منطقة تشكل نقطة التقاء بين سكان المناطق الجبلية في الغرب والبادية الأردنية في الشرق، مما جعلها محورًا حضاريًا حيث تفاعل سكان هاتين المنطقتين عبر العصور.

في العصور القديمة، كانت منطقة جبال البلقاء تعد موقعًا استراتيجيًا لتبادل الثقافات والتجارة بين سكان الجبال والبادية. ومن أهم القرى التي تأسست في هذه المنطقة في العصر الحجري الحديث تعد قرية عين غزال والتي ازدهرت على مر العصور.

تظهر الحفريات الأثرية في عين غزال أدلة على حضارة متقدمة نشأت في هذه المنطقة، حيث تم اكتشاف أدوات وفخاريات تعكس المهارات الحرفية للسكان القدماء. كما تشير الآثار إلى وجود أنشطة زراعية واقتصادية مزدهرة في هذا الموقع.

إن عين غزال تعتبر مكانًا يروي تاريخ الأردن القديم وتفاعل سكانه عبر العصور. إن الحفائر الأثرية في هذا الموقع تمثل مصدرًا هامًا للباحثين وعشاق التاريخ لفهم أصول المجتمعات القديمة في المنطقة وتطورها على مر العصور.

بالإضافة إلى ذلك، تسعى السلطات الأردنية إلى الحفاظ على هذا التراث الثقافي الهام من خلال دعم الأبحاث الأثرية وتوفير وسائل الحماية والحفاظ على موقع عين غزال. ويتطلع العديد من الزوار والباحثين إلى استكشاف هذا الموقع الأثري واستنشاق جو من التاريخ العريق الذي يتنفس منه.

استمد موقع «عين غزال» اسمه من نبع ماء كان يسقي سكان عمَّان لفترة من الوقت، وهو موقع يتمركز على ضفتي نهر الزرقاء (شرقيها وغربيها). ويبدو أن المنطقة كانت وفيرة الغزلان؛ حيث عثر المنقبون في إحدى الغرف المكتشفة في عين غزال على ثلاثة عشر قرنًا من قرون الغزال. بدأت عين غزال قرية زراعية صغيرة المساحة لا تتجاوز عشرين دونمًا، إلا أنها تطورت واتسعت مع مرور الوقت حتى بلغت مساحتها فيما بين 7500 – 7000 قبل الميلاد حوالي 150 دونمًا. ويقدر الباحثون عدد سكان الموقع في حوالي 7000 قبل الميلاد بقرابة 2500 – 3000 نسمة . وبهذا لا يضاهيها اتساعًا أي موقع آخر في المنطقة المحيطة، وهي التي سُكنت دون انقطاع مدة تقارب ثلاثة آلاف عام. يضاف إلى ذلك أن المكتشفات الأثرية في عين غزال قد دلت على الغنى والتقدم الفكري والعقائدي الذي عرفه سكانها منذ عهود بعيدة.

اللوحة 8.II: تمثال من الجبس MPPNB في عين غزال
اللوحة 8.II: تمثال من الجبس MPPNB في عين غزال

دلت العمارة المكتشفة في عين غزال على التنوع والتطور العمراني الذي شهده الموقع خلال مراحل الإستقرار المختلفة، وتمكن المنقبون من التعرف على نوعين من العمارة، هما: المساكن والأبنية الدينية. حيث عثر فيالمنطقتين الشرقية والشمالية من عين غزال على أبنية اعتقد المنقبون بأنها قد كرِّست لممارسة طقوس ذات طبيعة عقائدية استنادًا إلى طرازها العمائري وطريقة بنائها. كذلك عثر في الموقع على عدد من المخلفات الأثريةالتي تدلّ على ممارسة الطقوس العقائدية، مثل الجماجم المجصصة (Plastered Skulls) والأقنعة، والدمى البشرية والحيوانية والتماثيل الآدمية. كشف في عين غزال خلال أعمال التنقيب في عامي 1983 و1985 عن مجموعتين من التماثيل الجصّية الآدمية موضوعة على نحو مرتب في حفر أعدت خصيصا لهذا الشأن. وقد صنعت هذه التماثيل من مادة الجص، وهي مادة هشة وقابلة للتفتت، لذا بُعثت المجموعة الأولى من تلك التماثيل إلى معهد الآثار البريطاني في لندن لترميمها وصيانتها، وبُعثت المجموعة الثانية إلى معهد سميثسونيان في نيويورك، وأعيدت غالبيتها إلى الأردن بعد الترميم.

قبل معرفة الأواني الفخارية، استخدم الناس في عين غزال أوانيَ منزلية مثل الأطباق المصنوعة من الحجارة الطباشيرية الكلسية أو غيرها. كذلك صنعوا من الحجارة البازلتية والجيرية مدقات ومهارس لطحن الحبوب وجرشها. وبقي الأمر على هذا النحو حتى حوالي عام 6500 قبل الميلاد حين شاع استخدام أوانٍ مصنوعة من الصلصال، والتي ضمّت الجرار والأطباق والكؤوس لحفظ السوائل، أو الطهو، أو تناول الطعام.

وإذا كانت الزراعة مصدر القوت الأساسي لدى سكان عين غزال، فإن الصيد بقي مصدرا مهمًا من مصادر الغذاء، وظل الناس يصنعون رؤوس السهام الصوانية لصيد الحيوانات، كما صنعوا أدواتٍ أخرى من حجارة الصوان، مثل الفؤوس والقداديم والسكاكين ومكاشط الجلود والأخشاب وشفرات المناجل والمثاقب وغيرها. وتمثل هذه الأدوات مجتمعة الركيزة الأساسية في عمل المجتمعات الزراعية.

لماذا صنعت تماثيل عين غزال؟

تعد تماثيل عين غزال الجصية أقدم تماثيل صنعها الإنسان تم العثور عليها لحد الآن، حيث يعود تاريخها إلى العصر الحجري الحديث (8000 عام قبل الميلاد)، وهي بذلك تكتسب أهمية تاريخية كبيرة باعتبارها دليلاً على استيطان الانسان للمنطقة منذ عصور ما قبل التاريخ، ويرى فيها الكثير من التشكيليين بدايةً لانطلاقة الفن التشكيلي المتكئ.

موقع عين غزال

يقع موقع عين غزال في منطقة البادية الشرقية الأردنية، على بعد حوالي 120 كيلومترًا شمال شرق العاصمة عمان، وقد تم اكتشاف الموقع عام 1974 من قبل عمال البناء الذين كانوا يعملون على بناء طريق سريع يربط عمان بمدينة الزرقاء، واكتشف علماء الآثار تماثيل عين غزال أثناء عثورهم على حافة حفرة كبيرة بعمق 2.5 متر تحت السطح تحتوي على تماثيل من الجبس.

تمت أعمال التنقيب الأولية للعثور على تماثيل عين غزال بإشراف عالم الآثار الأمريكي غاري رولفسون في عامي 1984-1985، وفي وقت لاحق، جرت جولة ثانية من الحفريات بقيادة العالمين رولفسون وزيدان كفافي بين عامي 1993 و1996، أسفرت عمليات التنقيب عن اكتشاف 15 تمثالًا و15 تمثالًا نصفيًا، بفارق زمني يقارب 200 عام بينهما.